الانتخابات البلدية والاختيارية 2025

تكنولوجيا وأمن معلومات

هل تستطيع الآلات أن تتعلم مثل البشر؟
29/04/2025

هل تستطيع الآلات أن تتعلم مثل البشر؟

في كل مرة تقترح عليك منصة أفلام ما تحب مشاهدته، أو يتعرف هاتفك الذكي على وجهك، فإن خلف الكواليس يدور عمل دؤوب لواحد من أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على نوع معين من "التعلم الآلي". هذا المصطلح الذي أصبح مألوفًا اليوم، لا يُشير إلى طريقة واحدة بل إلى مجموعة من الأساليب التي تتعلم بها الآلات من البيانات، تمامًا كما نتعلم نحن من التجربة والملاحظة. ويمكن تصنيف هذه الأساليب ضمن ثلاثة أنواع رئيسية: التعلم الخاضع للإشراف، والتعلم غير الخاضع للإشراف، والتعلم التعزيزي، وسنقوم هنا بشرح كل نوع بلغة مبسطة مع تسليط الضوء على النوع الثالث، لكونه من أكثر الأساليب تقدمًا وارتباطًا بالمستقبل.


يُعتبر التعلم الخاضع للإشراف (Supervised Learning) من أكثر أنواع التعلم الآلي شيوعًا واستخدامًا في الوقت الراهن، وهو يشبه طريقة تعلم الطالب من المعلم الذي يعطيه أمثلة محلولة، ثم يطلب منه تطبيق نفس النمط على مسائل جديدة. في هذا النوع، يتم تزويد النموذج بمجموعة بيانات تحتوي على مدخلات (مثل صور أو نصوص أو أرقام) بالإضافة إلى نتائج صحيحة مرتبطة بها وتُعرف بالتسميات أو. Labels يتعلم النموذج من هذه الأمثلة كيفية التنبؤ بالنتائج عندما تُعرض عليه بيانات جديدة.

هذا النوع من التعلم يُستخدم بكثرة في مهمتين رئيسيتين: التصنيف (Classification) والانحدار (Regression). ففي التصنيف، الهدف هو التنبؤ بفئة محددة، مثل التعرف على ما إذا كانت الصورة تحتوي على قطة أو كلب، أو تصنيف البريد الإلكتروني إلى "مهم" أو "غير مرغوب فيه". ومن أشهر الخوارزميات التي تُستخدم في هذا المجال: خوارزمية شجرة القرار (Decision Tree)، وشبكات التعلم العميق (Deep Neural Networks). أما في مهمة الانحدار، فيكون الهدف التنبؤ بقيمة رقمية، مثل تقدير سعر منزل بناءً على موقعه ومساحته، أو التنبؤ بدرجة الحرارة في اليوم التالي. وتُستخدم هنا خوارزميات مثل الانحدار الخطي (Linear Regression) والانحدار العشوائي (Random Forest Regression).


أما التعلم غير الخاضع للإشراف (Unsupervised Learning)، فهو مختلف كليًا من حيث الطريقة والهدف. هنا، لا تتوفر للآلة أي نتائج مسبقة أو تسميات صحيحة، بل تُعرض عليها كميات كبيرة من البيانات، ويُطلب منها أن تحاول "فهمها" بنفسها، من خلال البحث عن الأنماط والعلاقات الداخلية. إحدى أهم المهام في هذا النوع هي التجميع (Clustering)، حيث يتم تجميع البيانات التي تتشابه في خصائصها ضمن مجموعات مستقلة، كما في تحليل العملاء في شركة ما لتحديد شرائح سلوكية مختلفة دون معرفة سابقة بهذه الشرائح. من الخوارزميات الشائعة في هذا السياق نذكر خوارزمية K-Means، والتحليل الهرمي للتجميع (Hierarchical Clustering)، والتحليل بالعناصر الرئيسية (PCA) لاختزال الأبعاد واكتشاف البُنى العميقة في البيانات.


ورغم أهمية هذين النوعين، فإن أكثر ما يثير الحماسة في مجال الذكاء الاصطناعي اليوم هو التعلم التعزيزي (Reinforcement Learning)، وهو نوع فريد من التعلم يحاكي إلى حد بعيد الطريقة التي يتعلم بها الإنسان أو الحيوان من خلال التجربة، المحاولة، والخطأ. في هذا النوع، لا تتوفر بيانات ثابتة أو تسميات جاهزة، بل يُوضع ما يُعرف بـ"الوكيل الذكي" (Agent) داخل بيئة معينة، ويتفاعل معها عن طريق اتخاذ قرارات أو أفعال. وفي كل مرة يقوم الوكيل بفعلٍ ما، تستجيب البيئة بإعطاء مكافأة أو عقوبة، ما يدفعه إلى تعديل سلوكه لاحقًا لتفادي الأخطاء وتحقيق أكبر قدر من المكافآت.


آلية التعلم هنا تعتمد على فكرة "القيمة المتوقعة"، أي أن الوكيل لا يتعلم فقط من التجربة الحالية، بل يحاول التنبؤ بأفضل سلسلة من الأفعال التي ستقوده إلى النتيجة الأفضل على المدى الطويل. هذه الفلسفة المعقدة جعلت التعلم التعزيزي خيارًا مثاليًا في البيئات الديناميكية التي تتغير باستمرار، مثل قيادة السيارات الذاتية، إدارة الألعاب الإستراتيجية، أو التحكم في الروبوتات الصناعية.


ومن أشهر التطبيقات الواقعية التي أبهرت العالم كانت تجربة شركة DeepMind التي طورت نظامًا يُدعى AlphaGo. هذا النظام لم يُبرمج يدويًا بكل الاحتمالات الممكنة للعبة Go وهي أكثر تعقيدًا من الشطرنج بل استخدم التعلم التعزيزي إلى جانب الشبكات العصبية العميقة (Deep Reinforcement Learning) ليتعلم بنفسه، ويُطور إستراتيجيات تفوقت على أبطال العالم. هذه التجربة شكلت نقطة تحول تاريخية في تطور الذكاء الاصطناعي، وأظهرت قدرة الآلة على التفكير الإستراتيجي واتخاذ قرارات ذكية دون إشراف مباشر.

في الواقع، يتم تدريب نماذج التعلم التعزيزي باستخدام خوارزميات متقدمة مثل Q-Learning، وDeep Q-Networks (DQN)، وكلها تهدف إلى تحسين أداء الوكيل بناءً على المكافآت المستلمة، مع مراعاة توازن دقيق بين "الاستكشاف" لمحاولة إيجاد أشياء جديدة، و"الاستغلال" لاستخدام التجارب الناجحة السابقة.


وبينما لا تزال تحديات التعلم التعزيزي قائمة، مثل الحاجة إلى وقت طويل للتدريب أو تعقيد إعداد البيئة، فإن إمكاناته الهائلة تفتح آفاقًا واسعة أمام مستقبل تكنولوجي أكثر ذكاءً وتكيفًا مع الظروف الواقعية.


خلاصة القول، إن الذكاء الاصطناعي لا يتعلم بطريقة واحدة، بل يختار الأسلوب المناسب بحسب نوع البيانات، والهدف من التعلّم. فبين من يتعلم من أمثلة جاهزة، ومن يستكشف العالم دون إشراف، ومن يخوض التجربة ويتعلم من النتائج، تتضح لنا روعة هذا المجال وتنوع أساليبه. وكلما فهمنا كيف تتعلم الآلة، استطعنا أن نوظفها بشكل أفضل في خدمة حياتنا، واقتصادنا، ومستقبلنا الرقمي.


رغم أن أنواع التعلم الآلي الثلاثة تبدو مختلفة في منهجها، فإن الواقع يُظهر أن العديد من التطبيقات المتقدمة تجمع بينها لتحقيق أداء أكثر دقة وذكاء. خذ على سبيل المثال السيارات ذاتية القيادة: هذه التقنية المتطورة لا تعتمد على نوع واحد من التعلم، بل تُسخّر مزيجًا من الأساليب. فالتعلم الخاضع للإشراف يُستخدم لتصنيف إشارات المرور، المشاة، والعقبات على الطريق بناءً على ملايين الصور المصنفة مسبقًا. أما التعلم غير الخاضع للإشراف فيدخل في فهم أنماط حركة المرور أو التغيرات غير المتوقعة في البيئة، عبر تحليل بيانات القيادة من دون معرفة مسبقة بها. ويأتي التعلم التعزيزي ليقود عملية اتخاذ القرار في الوقت الفعلي، مثل متى تتوقف السيارة، أو كيف تتجاوز مركبة أمامها، من خلال تعلّم إستراتيجيات القيادة المثلى عبر المحاكاة والتجربة.


الأمر ذاته نجده في مجال الترجمة الآلية الذكية، كما في خدمات مثل Google Translate. في البداية، كانت هذه الأنظمة تعتمد على التعلم الخاضع للإشراف، بتدريب نماذج على نصوص مترجمة يدويًا من قبل البشر. مع تطور الخوارزميات، أصبحت تستخدم تقنيات تعلم غير خاضع لتحديد السياق والمعاني المحتملة للكلمات، خاصة في اللغات التي تفتقر إلى موارد لغوية غزيرة. اليوم، يُدمج التعلم التعزيزي لتدريب هذه الأنظمة على تحسين الترجمة بناءً على تقييمات المستخدمين أو على أساس معايير جودة معينة، ما يجعل الترجمة أكثر دقة وواقعية بمرور الوقت.


هكذا، لا تعمل هذه الأنواع الثلاثة في جزر معزولة، بل تشكل معًا نسيجًا تكامليًا يدفع الذكاء الاصطناعي نحو آفاق غير مسبوقة. فهم هذه العلاقة التكاملية يمنحنا أدوات فعّالة لتصميم أنظمة ذكية أكثر مرونة وقدرة على التفاعل مع التعقيدات الواقعية لعالمنا المتغير باستمرار.

التكنولوجياالذكاء الاصطناعي

إقرأ المزيد في: تكنولوجيا وأمن معلومات