الانتخابات البلدية والاختيارية 2025

آراء وتحليلات

صاروخ بن غوريون وتغيير المعادلات: كيف فرضت القوات اليمنية المسلحة الحصار الجوي على "إسرائيل"؟
09/05/2025

صاروخ بن غوريون وتغيير المعادلات: كيف فرضت القوات اليمنية المسلحة الحصار الجوي على "إسرائيل"؟

محمد الأيوبي

في لحظة خاطفة، تهاوى وهم "السماء المحصّنة". ففي الرابع من أيار/مايو 2025، لم يكن الشرق الأوسط على موعد مع مجرّد تصعيد جديد، بل مع ولادة معادلة إستراتيجية غير مسبوقة. بإعلان القوات اليمنية المسلحة فرض "حصار جوي شامل" على الكيان "الإسرائيلي"، تحوّلت خارطة الاشتباك من جغرافيا غزّة إلى فضاء إقليمي مفتوح، تجاوز خطوط التماس المباشر، ليضرب أحد أكثر رموز البنية التحتية "الإسرائيلية" حساسية: مطار "بن غوريون" الدولي.

الضربة: لحظة كسر الردع

الصاروخ الذي استهدف مطار "بن غوريون" لم يكن اعتياديًا. لقد اخترق طبقات الدفاع المتعددة، الأميركية و"الإسرائيلية"، ليصيب هدفه بدقة، وسط صدمة استخبارية لم تنفع معها التبريرات. فشل منظومات الدفاع "القبابيّة" كشف هشاشة ما سُمّي لعقود بـ"حصن الردع الإسرائيلي"، وكشف معه محدودية القدرة الأميركية في تأمين الحليف المدلل في لحظة الحقيقة.

من غزة إلى "بن غوريون": المعركة تتّسع

منذ أيلول/ سبتمبر 2024، دأبت القوات اليمنية على إطلاق صواريخها باتجاه البحر الأحمر والأراضي الفلسطينية المحتلة، دعمًا واضحًا وصريحًا للمقاومة في غزة. لكن استهداف المطار المركزي لـ"إسرائيل" شكل نقطة تحوّل: فالأمر لم يعد مجرّد إسناد رمزي، بل دخول فعلي في معركة فرض المعادلات.
ما جرى لم يكن فقط خرقًا أمنيًا؛ بل خرقًا مفهوميًا لمعنى "الحدود الآمنة"، وأسّس لمرحلة جديدة، تُفقد "تل أبيب" تفوقها الجوي والناري، وتضع مطاراتها ومرافئها تحت رحمة قرار يُتخذ من جبال صعدة أو كهوف عمران.

الحصار الجوي: إسقاط إحدى أهم مزايا "إسرائيل"

القدرة على التحرك الجوي كانت جزءًا من تفوق "إسرائيل" الإستراتيجي: حركة الطيران المدنية والعسكرية، استقبال الدعم الخارجي، والهروب نحو الملاذات الدولية عند الأزمات. اليوم، كل تلك القواعد باتت مهددة. فحين تُصبح مطارات "اللد" و"إيلات" و"ريشون لتسيون" ضمن مدى نيران منظمة ومتكررة، فإن "إسرائيل" لم تعد نقطة منيعة في شرق المتوسط، بل هدفًا مرصودًا ضمن مجال ناري يمتد من اليمن إلى لبنان، مرورًا بسورية والعراق.

الرسائل تتجاوز "إسرائيل": الغرب في مرمى المعادلة

ما يحرج واشنطن أكثر من الضربة نفسها هو العجز عن منعها. الغارات الأميركية على اليمن، وإسقاط طائرة "إف-18 سوبر هورنت" في البحر الأحمر، والانكشاف الاستخباري أمام منصات الإطلاق المتنقلة، جميعها مؤشرات على مأزق الردع الأميركي، لا تجاه اليمن فحسب، بل تجاه المحور الذي تقوده طهران ويضم صنعاء وبغداد وبيروت وغزة.

الإدارة الأميركية، العالقة بين مستنقع أوكرانيا وارتدادات صراع غزة، تدرك أن توسيع الجبهة ضد إيران لم يعد خيارًا واقعيًا، خصوصًا بعد دخول روسيا علنًا على خط الحلف الإستراتيجي مع طهران. فالاتفاقية العسكرية الموقّعة بين موسكو وطهران، والتي دخلت حيز التنفيذ لعشرين عامًا، تقلب طاولة التهديدات، وتجعل أي عدوان على إيران مغامرة غير محسوبة العواقب.

إيران: البنية التي لا تُرى.. وتُخشى

حين دعا "بيني غانتس" إلى ضرب إيران ردًا على صاروخ يمني، لم يكن ذلك زلة خطابية، بل إقرار ضمني بحقيقة التكوين الجديد للميدان. "إسرائيل" تعرف – كما تعرف واشنطن – أن هذا المحور ليس تجمّع "ميليشيات متفرقة"، بل مشروع مقاومة متكامل، يتشارك المعرفة والقدرات والقرار، ويعمل على قاعدة التنسيق العملياتي الذكي، وليس الانفعال الميداني.

الضربة على مطار "بن غوريون"، سواء نُفذت بصاروخ يمني خالص أو بدعم تقني إيراني، تؤكد أن هناك عقلًا عسكريًا يتجاوز ردود الأفعال، ويشتغل على مراكمة القدرات النوعية في صمت، ليفاجئ الخصم بضربات مدروسة توقيتًا وهدفًا.

فشل الردع التقليدي: ولادة معادلة ردّ جديدة

الضربات الأميركية و"الإسرائيلية" لم توقف مسار الصواريخ اليمنية، بل زادت من وتيرتها ومن دقتها. وهذا بحد ذاته يُسقط إحدى أهم ركائز العقيدة العسكرية الغربية: القدرة على الضرب الاستباقي. فالحوثي – كما تُصرّف النخبة السياسية الغربية اسمه – لم يعد مجرد "متمرّد" في نظرهم، بل فاعل إقليمي يمتلك ناصية القرار في منطقة حساسة، تمتد من باب المندب إلى عمق الأراضي الفلسطينية.

أما التهديدات "الإسرائيلية" بالردّ "بسبعة أضعاف" فهي أقرب إلى الاستعراض الإعلامي منها إلى الخطط الفعلية. فتجربة اليمن أثبتت أن الحرب المفتوحة مع صنعاء مكلفة ومكشوفة ومحفوفة بالمخاطر، سواء من ناحية الجغرافيا أو القدرة القتالية أو حتى مناخ الإسناد الشعبي العربي المتصاعد.

من الدفاع إلى الهجوم السياسي: تكريس معادلة الفعل

اليوم، لم تعد صنعاء في موقع الدفاع عن غزة، بل أصبحت لاعبًا يفرض مفاعيل قراره على عمق "إسرائيل". الحصار الجوي لم يأتِ كرد فعل، بل كخيار هجومي مدروس، ينقل المواجهة من الرمزيات التضامنية إلى فرض المعادلات الصلبة.

تل أبيب في مرمى النيران الدقيقة، وواشنطن في مأزق الخيارات، وعواصم الغرب أمام اختبار حقيقي لصدقية تحالفاتها. أما العرب، فإن لحظة الحقيقة أمامهم: إمّا أن يكونوا شهودًا على تغيير التاريخ، أو شهود زور في محكمة تسقط فيها فلسطين مرة أخرى.

زمن السماء المفتوحة انتهى

الضربة اليمنية لم تُعطّل مطارًا فحسب، بل عطّلت أيديولوجيا بكاملها، تلك التي بُنيت على تفوّق السماء. لقد ولّى زمن الهيمنة الجوية، وبدأ زمن الأهداف المكشوفة. ومن لا يملك سماءه، لن يفرض شروطه على الأرض.

فلسطين المحتلةالجمهورية الاسلامية في إيرانالكيان الصهيونيغزةايران

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
مظاهرات حاشدة في صعدة تضامنًا مع فلسطين ورفضًا للعدوان المستمر على غزة
مظاهرات حاشدة في صعدة تضامنًا مع فلسطين ورفضًا للعدوان المستمر على غزة
المقاومة الفلسطينية تكبّد الاحتلال خسائر فادحة في رفح: مقتل جنديين وإصابة ستة آخرين
المقاومة الفلسطينية تكبّد الاحتلال خسائر فادحة في رفح: مقتل جنديين وإصابة ستة آخرين
القسام تعلن عن سلسلة عمليات نوعية.. قتلى وجرحى بين جنود الاحتلال برفح
القسام تعلن عن سلسلة عمليات نوعية.. قتلى وجرحى بين جنود الاحتلال برفح
العدوان على غزة.. القصف يستهدف منازل المدنيين ومراكز الإيواء والمقاهي والأسواق
العدوان على غزة.. القصف يستهدف منازل المدنيين ومراكز الإيواء والمقاهي والأسواق
عيون اليمن على العمق "الإسرائيلي": مطاراتكم لم تعد آمنة.. שדות תעופה לא בטוחים
عيون اليمن على العمق "الإسرائيلي": مطاراتكم لم تعد آمنة.. שדות תעופה לא בטוחים
كشف مدينة مسيّرات تحت الأرض في إيران.. وسلامي يُحذر أميركا و"إسرائيل"
كشف مدينة مسيّرات تحت الأرض في إيران.. وسلامي يُحذر أميركا و"إسرائيل"
العلامة الخطيب يُواصل زيارته لإيران: نحذّر من تمادي الكيان في عدوانه على لبنان
العلامة الخطيب يُواصل زيارته لإيران: نحذّر من تمادي الكيان في عدوانه على لبنان
سلامي ردًا على التهديدات الأميركية والصهيونية: أي خطأ ترتكبونه سيفتح أبواب جهنم في وجوهكم
سلامي ردًا على التهديدات الأميركية والصهيونية: أي خطأ ترتكبونه سيفتح أبواب جهنم في وجوهكم
الصحف الإيرانية: التفاف وطني في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية
الصحف الإيرانية: التفاف وطني في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية
الشيخ الخطيب في مؤتمر الذكرى المئوية للحوزة العلمية في قم: للمزيد من العناية بلبنان الجريح
الشيخ الخطيب في مؤتمر الذكرى المئوية للحوزة العلمية في قم: للمزيد من العناية بلبنان الجريح
محادثات ترامب والسعودية المرتقبة.. خيبة "اسرائيلية" تجاه إهمال مطلب التطبيع
محادثات ترامب والسعودية المرتقبة.. خيبة "اسرائيلية" تجاه إهمال مطلب التطبيع
المشاط: الرد على العدوان "الإسرائيلي" سيكون مزلزلاً وبزخم كبير
المشاط: الرد على العدوان "الإسرائيلي" سيكون مزلزلاً وبزخم كبير
ترامب وقناة "بن غوريون" وانكشاف مصر الاستراتيجي 
ترامب وقناة "بن غوريون" وانكشاف مصر الاستراتيجي 
العدوان على غزة: شهداء في قصف "إسرائيلي" على  النصيرات ودير البلح 
العدوان على غزة: شهداء في قصف "إسرائيلي" على  النصيرات ودير البلح 
مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين في معركة جنوب قطاع غزة‎
مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين في معركة جنوب قطاع غزة‎
دعوات صهيونية لاستهداف صادرات إيران النفطية إلى الصين لـ"قطع شريان حياتها"
دعوات صهيونية لاستهداف صادرات إيران النفطية إلى الصين لـ"قطع شريان حياتها"
إيران ترفض الإملاءات الأميركية: سلاح المقاومة حق مشروع وشأن لبناني داخلي
إيران ترفض الإملاءات الأميركية: سلاح المقاومة حق مشروع وشأن لبناني داخلي
الإمام الخامنئي: لا مصلحة للمسلمين تعلو فوق وحدتهم
الإمام الخامنئي: لا مصلحة للمسلمين تعلو فوق وحدتهم
عراقتشي لغوتيريش: سلوكيات المسؤولين الأميركيين المتناقضة تخلق حالًا من عدم الثقة بجدّيتهم في مسار الدبلوماسية
عراقتشي لغوتيريش: سلوكيات المسؤولين الأميركيين المتناقضة تخلق حالًا من عدم الثقة بجدّيتهم في مسار الدبلوماسية
خطيب جمعة طهران: لدينا مفاوضون أكفاء ومتمرسون.. التقنية النووية رصيد للبلاد
خطيب جمعة طهران: لدينا مفاوضون أكفاء ومتمرسون.. التقنية النووية رصيد للبلاد

خبر عاجل