آراء وتحليلات
جدل العلاقات العراقية - السورية بين القطيعة والانفتاح
منذ اللحظات الأولى للانقلاب الكبير في منظومة الحكم السورية، في الثامن من شهر كانون الأول-ديسمبر 2024، والمتمثل بسقوط نظام حزب البعث بزعامة بشار الأسد، واستحواذ جبهة تحرير الشام بزعامة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) على مقاليد الأمور، لم يتوقف الجدل والسجال الحاد في العراق بخصوص الآلية السليمة للتعاطي مع الوضع الجديد بالشكل الذي يجنّب البلاد الانزلاق، مرة أخرى، إلى مستنقع الإرهاب والفوضى، بعدما راح يتعافى ويستقر شيئا فشيئا.
لم يكن العراق بعيدًا عن تفاعلات المواقف والتوجهات الإقليمية والدولية المرتبكة حيال سوريا الجديدة، لقد كانت تداعيات وإسقاطات المأزق السوري أكثر وطأة وتأثيرًا وقلقُا عليه من أطراف أخرى، بحكم الجوار الجغرافي والتراكمات التأريخية البعيدة والقريبة، والممتدة لستة عقود من الزمن، والتي ربما كانت وقائع وأحداث العقدين المنصرمين هي الأشد والأصعب ممّا سبقها.
لقد برز اتجاهان متقاطعان، في بغداد، للتعاطي مع دمشق، بعد الثامن من كانون الأول-ديسمبر 2024. الاتجاه الأول؛ بدا أنّه ذو طابع رسمي، أو شبه رسمي، عكسته مواقف الحكومة العراقية، وتمثل بمدّ بعض خيوط التواصل المباشر وغير المباشر مع السلطات الحاكمة في دمشق، انطلاقا من جملة حقائق ومسوّغات، من بينها السعي للحؤول دون اندلاع صراع داخلي، يكون أحد ضحاياه المكوّن العلوي، من دون أن يعني ذلك عدم الحرص على المكونات الأخرى. ولكن؛ لأنّ ذلك المكون قد يكون المستهدف الأكبر لأسباب سياسية وعقدية، ربما تتجاوز حدود الجغرافيا السورية، وكذلك لدفع خطر تنظيم داعش الإرهابي عن العراق، إلى جانب تداخل المصالح والحسابات الأمنية والاقتصادية والسياسية بين العراق وسوريا. والأهم من هذا وذاك، هو العمل على منع توسع نفوذ الكيان الصهيوني في المنطقة وسوريا، من خلال بنائه علاقات جيدة مع النظام السياسي الجديد في دمشق.
لقد اتضحت تلك الحقائق والمسوّغات، في تصريحات عديدة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومسؤولين حكوميين وساسة عراقيين، فضلاً عن الحراك ذي الطابع الأمني والدبلوماسي بين بغداد ودمشق، والذي تمثل في جانب منه بزيارتين قام بهما رئيس جهاز المخابرات العراقي حميد الشطري إلى سوريا- الأولى في أواخر العام الماضي والثانية في الرابع والعشرين من شهر نيسان/ أبريل الجاري- فضلاً عن زيارات غير رسمية لشخصيات سياسية مقربة من السوداني، إلى جانب زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للعراق، في منتصف شهر أذار/ مارس الماضي.
لعلّ التطور الأهم، في ذلك الحراك، تمثل باللقاء الذي جمع السوداني بالشرع، برعاية وحضور أمير قطر تميم بن حمد بالدوحة في السابع عشر من شهر نيسان/أبريل الجاري. وقبل ذلك بيوم واحد، كان السوداني قد أعلن، في كلمة له في ملتقى السليمانية، توجيه دعوة رسمية للشرع للمشاركة في القمة العربية المزمع انعقادها في بغداد في السابع عشر من شهر أيار/مايو المقبل. هذا الأمر أثار الكثير من اللغط والجدل، في المحافل السياسية والأوساط الشعبية العراقية، مع أن السوداني شرح وأوضح بالتفصيل متبنيات الموقف العراقي حيال سوريا الجديدة، علمًا أنه في كل اللقاءات التي حصلت بين الطرفين غابت الأجواء الودية إلى حد كبير، والتي يفترض أن تكون حاضرة في ظل توفر الظروف الطبيعية والعلاقات البناءة.
في هذا السياق تحديدًا؛ عند لقاء السوداني بالشرع ودعوته لحضور القمة العربية في بغداد، تبلورت وبرزت رؤية الاتجاه الثاني بدرجة أكبر، وهو الرافض لأي تعاطي إيجابي مع الشرع. وذلك لأسباب ومسوّغات عديدة، لعل أهمها وأبرزها: أنّ الأخير متورط وضالع بارتكاب عمليات إرهابية في العراق، قبل خمسة عشر عامًا أو أكثر، حينما كان عنصرًا بارزًا في تنظيم القاعدة الإرهابي، وبحسب ما يقال هناك ملف قضائي بشأنه، وهو مدان ومطلوب للقضاء العراقي. وأصحاب هذا الاتجاه يرون أن التعامل والتصالح، بأي شكل من الأشكال، مع شخص إرهابي، ملطخة يديه بدماء العراقيين الأبرياء، يعدّ خيانة واستخفافًا بأرواح الضحايا ودمائها. هذا فضلًا عن أن المجازر التي ارتكبت، قبل بضعة أسابيع ضد أبناء الطائفة العلوية في مدن الساحل السوري، تؤشر إلى أن منهج الحكم الجديد يقوم على أسس تكفيرية إجرامية، تستهدف إلغاء الآخر والقضاء عليه، بدلًا من التعايش والتصالح معه.
بين هذين الاتجاهين؛ هناك من يرى ويعتقد بضرورة التأني والترقب لبعض الوقت، قبل اتخاذ أي مسار؛ لأنّ الصورة ما تزال غامضة ومشوشة، والأوضاع مرتبكة وقلقة، ومواقف دمشق غير متبلورة وناضجة بالقدر الكافي. هذه الرؤية تقترب كثيرًا من حراك الاتجاه الأول، وبيد أنها تتمحور في فكرة التحرك المحسوب والحذر، والتي تقوم على دراسة وبحث كل خطوة بعناية، وتشخيص مجمل أبعادها الإيجابية والسلبية، قبل الذهاب إلى الخطوة الثانية، وهكذا.
في هذا الاطار؛ قد يبدو العراق أمام أحد خيارين، إما أن يعدّ ما حصل في سوريا هو شأن داخلي، وعليه أن يتعامل ويتحاور مع أصحاب القرار هناك بخصوص الملفات والقضايا المشتركة، في ضوء مصالحه الوطنية، مثل ملفات: مواجهة الإرهاب الداعشي، تأمين الحدود، تأمين حياة المواطنين العراقيين المقيمين في سوريا، التبادل التجاري وملفات اخرى. وممّا لا شك فيه أن ذلك الخيار الواقعي يمكن أن يجنّب البلاد الكثير من المشكلات والأزمات، في الوقت ذاته يجعل الحكومة العراقية قادرة على القيام بمبادرات إيجابية في الداخل السوري، لتنعكس بدورها على الداخل العراقي.
أما الخيار الثاني؛ فيتمثل في أن منظومة الحكم الجديد في سوريا، ابتداءً من رئيسها، هي منظومة إرهابية من غير الممكن التعامل والتواصل معها سياسيًا، وحينذاك يكون البديل الذهاب إلى خيار المواجهة معها بمسارات مفتوحة ونهايات مجهولة.
في الوقت ذاته؛ لا يمكن- ومن غير الصحيح- للعراق أن يطوي صفحات الماضي، وكأنّ شيئا لم يكن، إذ ليس صحيحًا أن يتجاهل حقائق الواقع وضرورات المصالح الوطنية العامة ومقتضيات الاستقرار الإقليمي، وكل ذلك لن يتحقق بتجاهل بعض الأمور على حساب أمور أخرى، أو التركيز على بعضها وإهمال البعض الآخر. أضف إلى ذلك؛ أنّه من الصعب بمكان القفز فوق حقيقة أن ملفات المنطقة كلها متداخلة ومتشابكة، وكل ملف يؤثر في الآخر ويتأثر به.
العراقأبو محمد الجولانيمحمد شياع السودانيسورية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/04/2025
كيف سقطت "F18" الأميركية في البحر الأحمر؟
29/04/2025
الشرع يقبل بما رفضه الأسد
28/04/2025
إعادة الإعمار واجب وطني لا مساومة فيه
التغطية الإخبارية
لبنان| إندلاع حريق في أحراج عكار العتيقة
إعلام العدو: موجة الحرائق مستمرة حتى الآن وشبهات بأنها مفتعلة
لبنان| الشيخ العيلاني يواصل جولته على المرجعيات لبحث شؤون صيدا والاستحقاق البلدي
عدنان منصور لـ"الأقصى": ما يجري في غزّة إبادة جماعية وصمت عربي غير مقبول
حماس تدعو إلى حراك عالمي لنصرة غزّة في يوم العمّال العالمي
مقالات مرتبطة

الراشي أو ما يُسمّى بالطحينة: من أهم صناعات الموصل

فيديو| وزير الشباب العراقي يحيي من الأمم المتحدة شباب لبنان وغزة وينتقد الشذوذ

البرلمان العربي يشيد بمواقف العراق ويثمّن دعمه لفلسطين

بغداد تحتضن اجتماعات البرلمان العربي

بطقوس خاصة.. الإيزيديون يحتفلون برأس السنة وفق التقويم الشرقي

ماذا طلب الجولاني مقابل التطبيع مع "إسرائيل"؟

سلام يختتم زيارته لدمشق: صفحة جديدة على قاعدة حفظ سيادة واستقرار البلدين

مع استمرار المجازر في الساحل السوري... وإثر التغيير في الموقف الأميركي... هل تتحقق الحماية الدولية للأقليات؟

لهذه الأسباب لم تستقبل دمشق الوفد اللبناني.. و"نبوءة حاصباني نحو التحقق"

مستشرق صهيوني بارز يتوقع انهيار سورية الحتمي: دولة جديدة لن تقام هناك

الرئيس عون هاتف السوداني: تأكيد على متانة العلاقات بين البلدين بعيدًا عن كل ما يؤثر على عمقها

السوداني إلى تركيا قريبًا ومطالبات بمواقف عراقية حازمة

مقتل قيادي كبير من تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق ورفض لزيارة وزير الخارجية السوري

الإمام الخامنئي: للوقوف بحزم في وجه الاحتلال الأميركي الذي يسعى لتوسيع وجوده في العراق

السوداني: حريصون على بناء علاقات متوازنة مع كل الأطراف الإقليمية

العدو يسعى للسيطرة على دروز سورية

استمرار الاستباحة الصهيونية لسورية ..توغُّل في ريف القنيطرة وتثبيت نقطة رصد

الشرع يقبل بما رفضه الأسد

مسؤولة أميركية التقت الجولاني: تعهّد بأنّه لن يسمح بتهديد "إسرائيل"
