آراء وتحليلات
فك شيفرة لغز سرقة المساعدات في غزة؟
لا يختلف اثنان على أن سياسة حصار وتجويع المدنيين هي جريمة حرب مكتملة الأركان، ولكن الأمور تزداد خسة وجرماً مع الكيان الصهيوني الذي يتظاهر بإدخال مساعدات إنسانية بيد، ويتعاون مع عصابات من اللصوص والإرهابيين لسرقتها باليد الأخرى، كما يتضح من خلال محاولة "فك شيفرة" هذا اللغز المحيّر.
ومؤخراً، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أنها أوقفت تسليم المساعدات من خلال معبر كرم أبو سالم بين "إسرائيل" وقطاع غزة، عقب نهب شاحنات المساعدات.
وكشف فيليب لازاريني، المدير العام للوكالة، في منشور عبر منصة "إكس" السبب نصًا: "لم يكن طريق الخروج من هذا المعبر آمنًا منذ أشهر. في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سرقت عصابات مسلحة قافلة كبيرة من شاحنات المساعدات. وبالأمس، حاولنا إدخال عدد قليل من شاحنات الغذاء عبر الطريق نفسها. ولكنها سُرقت جميعها".
والأمر الأكثر إيلامًا هو أن تقارير متواترة تفيد بضلوع دولة من المفترض أنها عربية وإسلامية مثل الإمارات في هذه الجريمة عبر تنسيق ورعاية هكذا عصابات إجرامية، كجزء من دورها في مساعدة العدو الإسرائيلي لترتيب ما يعرف باليوم التالي في غزة والخالي من المقاومة كما يتوهم العدو ومن يتواطأ معه من الأنظمة العربية وبرعاية أمريكية كاملة، تحاول هندسة هذا المشروع الشيطاني.
وهذه الجريمة، وبالأحرى، الفضيحة، كشفتها تقارير منظمات دولية وإغاثية ونشرت في مذكرات داخلية للأمم المتحدة، وتحدثت عنها وسائل إعلام كبرى مثل بي بي سي، وتم تداولها في صحف أمريكية كبرى وصحف صهيونية.
وتُجمع هذه التقارير على أن جيش الحرب "الإسرائيلي" يغض الطرف ويسهل عمل عصابات مسلحة لسرقة شاحنات المساعدات في مناطق سيطرته في قطاع غزة وهو ما قد يعد "جزءًا من سياسة تجويع سكان غزة"، وفقاً لتقرير شبكة "بي بي سي" الإعلامية.
وسبق أن أفادت تسع وعشرون منظمة دولية غير حكومية، في تقرير، بأن الجيش "الإسرائيلي" يشجع على نهب المساعدات الإنسانية في قطاع غزة عن طريق مهاجمته قوة "سهم"، وهي قوة تنفيذية خاصة داخل حركة "حماس"، والتي تشن حملة أمنية لمطاردة اللصوص وتأمين دخول المساعدات للشعب الفلسطيني المحاصر.
كما نقل تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" أن مذكرة داخلية للأمم المتحدة أشارت إلى أن عصابات سرقة المساعدات في غزة "تستفيد من تساهل - إن لم يكن حماية - الجيش الإسرائيلي"، وأن قائد عصابة أنشأ ما يشبه قاعدة عسكرية في منطقة سيطرة للجيش "الإسرائيلي".
وهذا القائد الذي لم تذكر "واشنطن بوست" اسمه، كشفت هويته تقارير أخرى، حيث نقلت هذه التقارير عن مصادر دبلوماسية متعددة، خفايا علاقات دولة الإمارات و"إسرائيل" مع موالين لتنظيم "داعش" في غزة وتغذيتهما أعمال بلطجة وفوضى ممنهجة بهدف تقويض النظام المدني في القطاع وزيادة نفوذهما عبر نهب شاحنات الإمدادات الإنسانية.
وأجمعت هذه التقارير على أن سلطات الإمارات استعانت منذ أشهر بعدد من البلطجية الموالين لتنظيم "داعش" سواء تنظيمياً أو فكرياً، وعلى رأسهم المدعو "ياسر أبو شباب" لتحقيق خطط أبو ظبي والكيان في فرض ترتيبات اليوم التالي للحرب.
وبحسب هذه المصادر فإن "أبو شباب"، وهو من أشد الموالين لتنظيم "داعش" في غزة، عقد عدة مباحثات هاتفية مع ضباط إماراتيين وآخرين من جهاز الأمن العام "الإسرائيلي" "الشاباك" من أجل توجيه أنشطته الإجرامية إلى نهب قوافل المساعدات ودعمه من أبو ظبي بما يحتاجه من مال وعتاد عسكري.
ولم يقتصر الأمر على الصحيفة الأمريكية، بل وصلت القضية للصحف الصهيونية مثل صحيفة "هآرتس" التي نقلت عن مصادر في منظمات الإغاثة الدولية العاملة في غزة، أن "المسلحين المرتبطين بعشيرتين معروفتين في منطقة رفح، يقومون بعرقلة جزء كبير من الشاحنات التي تدخل القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، بطريقة ممنهجة، ومن خلال تحويل مسارها بشكل متعمد".
ولم تكن الاتهامات للعدو "الإسرائيلي" جزافية، بل جاءت بناء على رصد للاتصالات، كما أفاد مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، والذي كشف أن غالب العصابات تعمل بالتنسيق مع "إسرائيل"، وأن الأجهزة الأمنية رصدت اتصالات بين عصابات اللصوص وقوات الجيش "الإسرائيلي"، من أجل الحصول على تغطية أعمال النهب، كما أنهم تلقوا توجيهات مهام، وتوفير غطاء أمني، وأن "إسرائيل" تزود اللصوص بخريطة وموقع تحرك شاحنات المساعدات وأنواعها وموعدها، من أجل السطو عليها وسرقتها تحت نظر الطيران الإسرائيلي.
وهذه التقارير منشورة وربما بحاجة لنفي إماراتي لو أرادت الإمارات نفي ذلك، إلا أن ما لم تستطع الإمارات نفيه، هو التعاون مع الكيان في ترتيبات "اليوم التالي" والتي كشفتها رسمياً وسائل إعلام غربية باستضافة الإمارات لاجتماعات صهيونية أمريكية لمناقشة أوضاع غزة بعد الحرب وتقديم خطط لاقت استحسان نتنياهو ووافق عليها غالانت، وهو ما وصفته بدقة صحيفة "jewish press"، عندما قالت، إن الإمارات " تشتري مقعداً على الطاولة لليوم التالي للحرب، حيث ستكون أجندتها هي تنصيب الرئيس السابق لأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، محمد دحلان، محافظاً لغزة، ربما كخطوة أولى في وضعه رئيساً للسلطة الفلسطينية بعد محمود عباس".
وقضية دحلان الذي يعمل مستشاراً لرئيس دولة الإمارات لأكثر من 12 عاماً، طرحتها أيضاً القناة 12 "N12" العبرية التي كشفت أن الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" أجرت مؤخراً مناقشات حول إمكانية تولي محمد دحلان، المسؤول الكبير السابق في حركة فتح، مقاليد السلطة في غزة بعد الحرب، والذي وضع نفسه خلال الحرب كمشرف على المساعدات الإماراتية المهمة لغزة.
وحدد دحلان بنفسه الخطوط العريضة للحل ـ من وجهة نظره ـ في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، والمتمثلة في خطة تقوم بموجبها "إسرائيل" وحماس بتسليم السلطة إلى ما وصفه بزعيم فلسطيني جديد ومستقل يمكنه إعادة بناء غزة تحت حماية قوة حفظ سلام عربية.
وقال دحلان، بحسب الصحيفة الأمريكية، إنه في حين تواجه هذه الخطط تحديات كبيرة، فإن زعماء مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منفتحون على دعم العمليات التي تشكل جزءًا من الجهود التي تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.
وهذا التصريح يتسق مع تقرير "أكسيوس" الذي نشر خبر استضافة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد لاجتماع إماراتي أمريكي صهيوني، استعرض مقترحاً إماراتياً جاء في مقال للرأي كتبته المبعوثة الإماراتية للأمم المتحدة لانا نسيبة، والتي دعت إلى نشر بعثة دولية مؤقتة في غزة، وقالت إن هذه البعثة ستستجيب للأزمة الإنسانية، وترسي القانون والنظام، وتضع الأساس للحكم.
وقد صرحت الإمارات بأنها مستعدة لأن تكون جزءًا من هذه القوة، وبالمقابل فقد رحب نتنياهو بإرسال الإمارات قوات، وأعرب عن رغبته في أن تدفع الإمارات تكاليف إعادة الإعمار وإصلاح نظام التعليم في غزة من أجل "إزالة التطرف" من السكان.
هذا هو الدور العربي الخفي وراء الكواليس، والذي تشكل الإمارات نموذجاً منه، وما خفي عنها وعن غيرها أكثر، فلم يكن للعدو أن يتجرأ ولا لأميركا أن تَفجُر في نفاقها بهذه الصورة لولا هذا التواطؤ الذي تقف المقاومة ومحورها بوجهه لأكثر من عام في صمود أسطوري.
الإمارات العربية المتحدةغزةالجيش الاسرائيلي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
01/05/2025
ماذا يستفيد العراق من تفاهم أميركا وإيران؟
29/04/2025
كيف سقطت "F18" الأميركية في البحر الأحمر؟
29/04/2025
الشرع يقبل بما رفضه الأسد
28/04/2025
إعادة الإعمار واجب وطني لا مساومة فيه
التغطية الإخبارية
الولايات المتحدة| ترامب: ماركو روبيو سيتولى في هذه الأثناء منصب مستشار الأمن القومي الأميركي
فلسطين المحتلة| كتائب القسام: مجاهدونا نفذوا عملية مركبة في شارع الطيران بحي تل السلطان غرب مدينة رفح
فلسطين المحتلة| الاحتلال يعلن نيته هدم 116 بناية ومنزلًا في مخيمي طولكرم ونور شمس بالضفة الغربية المحتلة
اليمن| عدوان أميركي بـ5 غارات على محيط مدينة صعدة
لبنان| تمارين تدريبية للجيش في حقل مزرعة حنوش- حامات
مقالات مرتبطة

بيان لبناني إماراتي: اتفاق على مشاريع تنموية مشتركة

تقرير أممي "سرّي" يكشف دور الإمارات في حرب السودان

جمال عامر: اليمن يواجه أميركا مباشرة اليوم بعدما واجه الأدوات سابقًا

الاحتفال بذكرى انتصار الثورة الإسلامية في السفارة الإيرانية في أبو ظبي

شراكة تكنولوجية وأمنية متقدّمة بين كيان العدو والإمارات

29 شهيدًا في العدوان الصهيوني على غزة.. وتحذيرات من تفاقم المجاعة

نتنياهو يثير غضب عائلات الأسرى: إعادتهم ليست الهدف الأعلى في الحرب

الكمائن في غزة تفضح هشاشة الاحتلال عبر تصاعد العمليات النوعية

شهداء بالعشرات.. تصعيد إسرائيلي متواصل في غزة

"رايتس ووتش" تحذّر: إعادة هيكلة الخارجية الأميركية تؤدّي لتقويض حقوق الإنسان والعدالة

كاتب صهيوني: نتنياهو وسموتريتش خفّضا ميزانية الإطفاء لمصلحة أموال "الائتلاف" وسبّبا تدميرًا واسع النطاق

"يديعوت أحرونوت": إجلاء جرحى دروز من سورية إلى الأراضي المحتلة

اعتداءات العدو تتواصل.. الطيران المسيّر يستهدف "بيك آب" ورابيد بميس الجبل جنوب لبنان

حسابات ما بعد التغيير في سورية: "إسرائيل" تعرض على أميركا خطة توسيع احتلالها في لبنان
