الحملة على ضريح السيد الشهيد: دعاية تستكمل أهداف الحرب "الإسرائيلية"

منذ لحظة الإعلان رسمياً عن وقف إطلاق النار بين لبنان وكيان العدو، استعرت الحملة الإعلامية والسياسية التي تقودها جهات داخلية وخارجية بهدف تشويه صورة المقاومة وإيجاد شرخ بينها وبين قاعدتها الشعبية بهدف إضعافهما معاً. 

وتنوعت هذه الحملة واتخذت أشكالاً مختلفة، ولم توفر مجالاً معيّناً: الوقوف مع فلسطين (قبل معركة الإسناد وفي أثنائها وبعدها)، سلاح المقاومة (قبل الحرب الصهيونية وبعدها)، تناول قيادات في حزب الله (بعد الحرب)، التصويب على أمن مطار رفيق الحريري الدولي ومرفأ بيروت (قبل الحرب وفي أثنائها وبعدها)، إيواء النازحين (في أثناء الحرب وبعدها)، تعويضات الترميم وإعادة الإعمار (بعد الحرب)، أموال جمعية "القرض الحسن" (قبل الحرب وفي أثنائها وبعدها)، جنازة شهيد الأمة السيد حسن نصر الله (لجهة أرقام المشاركين والتكلفة!)، حق  الثنائي الوطني في التمثيل في الحكومة والحصول على وزارة المالية (بعد الحرب)، وطاولت مؤخراً المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والمفتي الجعفري باعتبارهما مؤيدين لمواقف حزب الله وحركة أمل، ووصلت النوبة إلى بناء ضريح السيد الشهيد حسن نصر الله (لجهة الأرض التي يقام عليها وكلفة بنائه).  

الأوركسترا الإعلامية التي تعمل على هذه المواضيع لا تأخذ قسطاً من الراحة وتعمل على جميع هذه الموضوعات معاً، وتتلقى مساندة من وسائل إعلامية إماراتية وسعودية ومنصات إلكترونية وتتلبس بصفحات "فيسبوكية" مموّلة تتكاثر كالفطر، وتستخدم وجوهاً فنية وإعلامية وسياسية تدور في فلك محور التطبيع مع العدو.  

وقد سلّطت قناة "الجديد" السهام على ضريح السيد الشهيد حسن نصر الله، محاولةً إلقاء ظلال من الشبهات على مُلكية الأرض وكلفة البناء عليها، لكن الحلقة التي خصصتها لهذا الموضوع بُنيت على القيل والقال ومعلومات مجتزأة تم تجييرها لخدمة خطاب سياسي واضح الملامح في تقرير فضح توجّه معدّيه، خاصة أنه وجّه انتقادات بالجملة إلى معركة إسناد غزة والقرض الحسن وإسهام حزب الله في ترميم أضرار الحرب الصهيونية وطريقة تمويل الحزب، وحاول إثارة طوائف لبنانية عدة على المسلمين الشيعة من باب تهديد هوية العاصمة بـ "مزار شيعي" (كأنّ الشيعة ليسوا من أهلها)، ثم "تهبيط الحيطان" على اقتصاد لبنان من بوابة مؤسسات التمويل الدولية، ما يشير إلى أن القضية لا تتعلق بالضريح بل بالمقاومة ككل. 

نقد تقرير "الجديد"

 لا يصمد تقرير محطة "الجديد"، التي تعود مُلكيتها لرجل الأعمال تحسين الخياط الذي يقيم علاقات غامضة مع حكومات عربية عدة لا سيما دول الخليج النفطية، أمام نقد مهني إعلامي. وسبق أن شاركت القناة في توجيه السهام إلى المقاومة بعد الحرب، جنباً إلى جنب مع محطة MTV المنافسة التي يمتلكها ميشال المر، والذي يرتبط أيضاً بعلاقة وثيقة مع السعودية والإمارات. وأعتقد أنه لو تم تسليم الموضوع إلى يد إعلامية من الدرجة الثالثة لقدّمت مضموناً أفضل من هذ المستوى الرديء. 

يمكن الإشارة سريعاً إلى الملاحظات الآتية: 

أولاً في الشكل:

- لم يتم توضيح اسم معدّ التقرير، بالرغم من أنه يقول "تواصلنا مع... " و"أجرينا تحقيقاً ..." (من الذي تواصل وأجرى؟). و"الجديد" قالت، إنه ليس من إعدادها لكنها عرضته بكل المساوئ غير المهنية التي حفل بها. وحتى لو وضعت الناشط "القواتي" المقرب من الإمارات طوني بولس في الواجهة، فهذا لا يعفي القناة من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن المخالفات الواردة في التقرير. 

- التقرير طويل جداً بالمعايير التلفزيونية (9 دقائق)، وإفساح المجال أمام عرضه بهذا المدى الزمني يشير إلى أنه من نوع الإعلان السياسي، أو بالأحرى الدعاية السياسية المدفوعة الثمن. 

- يمزج التقرير بين معلومات، أكثرها من باب الترجيح واشتهاء الوقوع، وبين التعليق السياسي الحاد وتحريض فئات وطوائف لبنانية مختلفة بعضها على بعض. 

- يستخدم التقرير موسيقى تضجّ بالخطر الداهم، وهذا مقصود لاستدرار الإثارة والتفاعل مع خطر موجود في مخيّلة معدّي التقرير ومن يقف وراءهم. 

ثانياً في المضمون: 

- تم حشو التقرير بكلمات فضفاضة واستخدام صيغ المبالغة اللغوية، كأمثلة: "الأخطر من هذا"، "الفضيحة الأكبر"، "تعريض الوضع المالي للبنان لمزيد من المخاطر أمام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي"!! "المخاوف في الأوساط  السنية والمسيحية"، "تهديد هوية بيروت"، "يغيّر الضريح الطابع المتنوع للعاصمة، فبدلاً من أماكن الترفيه والسهر والسياحة سنشهد مجمعاً دينياً إيرانياً في قلب بيروت" (!). ليختم التقرير المجهول النسب: "بيروت تصرخ طلباً للنجدة لإنقاذ هويتها وتاريخها ومستقبلها" !!!

- استعان التقرير بمصادر مجهولة بمسمَّيات مختلفة: خبير عقاري معتمد، مصدر مصرفي رفيع. 

- هناك ألم واضح في التقرير بسبب توفر الأموال بين يدي حزب الله من خارج الإطار المصرفي الذي يرعاه أو يشرف عليه الأميركيون، وهذا نلحظه في عبارات مثل: "لم تمر الأموال عبر النظام المصرفي القانوني"، "استغلال الاقتصاد النقدي وتهريب الأموال من إيران"، "الاقتصاد النقدي يخدم حزب الله"... إلخ. 

- تم توسل الإثارة الطائفية لإثارة الاعتراض على إقامة الضريح وعلى حزب الله بالأساس. وتم اللعب على الموضوع الطائفي بشكل فظ، حيث يحذر التقرير السُنة والمسيحيين من "مزار شيعي" سيقام في "ضواحي قلب بيروت" !! وهذا التحذير يتكرر على طول التقرير، كقول جوزيف أبو فاضل: "أرادوها هونيك ليقولوا إن هذه المنطقة منطقة شيعية على مدخل مطار بيروت... يمكن غير طوائف إسلامية تبطل تمرق من هونيك". ما يشير إلى انه من فعل فكر انعزالي أو استخباري يشتغل على التفرقة والتفتيت، هذا التفتيت الذي يُعمل عليه الآن في سورية ولبنان وفي كل بقعة يوجد فيها نفَس مقاوم.

- جرى تضخيم الوقائع أو تحويرها، سواء في ما يتعلق بالأرقام المالية أو في ما يتعلق بعملية شراء الأرض وبناء الضريح. وقدّم التقرير معطيات متضاربة في هذا الشأن، أمثلة على ذلك:

 1- بدأ التقرير بالقول، إن تكلفة الضريح تصل إلى مئات ملايين الدولارات، ثم يعود إلى القول إن الرقم بعشرات ملايين الدولارات. فأي الرقمين هو الصحيح في نظر معدّي التقرير؟ 

2- يزعم التقرير أن أرض الضريح استولى عليها الحزب، ثم يعود فينقل عن جوزيف أبو فاضل الذي يشارك في الحملة ضد ضريح السيد الشهيد قوله إن "حزب الله اشترى الأرض... وصار في إشكال مع المالكين وعاد مشي الحال". فأين هو فعل الاستيلاء؟ وكانت هناك محاولة إيحاء بحصول إكراه في البيع، ولو كان هذا صحيحاً لكان أمكن إثباته مع تعدّد المالكين وتوفّر أسمائهم لدى معدّي التقرير، ولم نسمع احتجاجاً لأحد منهم. 

3- يحاول التقرير الاستنتاج عنوة بأن الأموال هي من أموال المساهمين في جمعية القرض الحسن، لكنه يعود فيقول إن الأموال هي من إيران و"تأتي بالحقائب" (طبعاً من باب الافتراض).  

4- يزعم التقرير أن معاملة شراء الأرض لم تمرّ عبر وزارة المالية، لكنه يقول بعدها إنه "تم تسجيل المعاملة لدى مديرية العقارات"، فهل هذه المديرية تابعة لوزارة الخارجية أو الدفاع مثلاً؟ 

المستهدف

الجهات المستهدفة من هذا التقرير متعددة:

أولها: البيئة الشيعية بشكل عام، ومن ضمنها المتضررون من الحرب الأخيرة، ومُلاك الأراضي والمنازل والمحلات في الجوار. 

يحاول معدّو التقرير الإيقاع بين حزب الله وبيئته الحاضنة التي لم يتخلّ عنها ولم تتخلّ عنه، واستوعب الحزب ما أصابها في الحرب وقدّم ويقدّم ما لم تقدّمه الدولة وكل المؤسسات والجمعيات، وهذا بالرغم من حملات التشكيك والتلفيق التي لم تتوقف. يسعى معدّو تقرير "الجديد" لإثارة شكوك لدى المتضررين من الحرب عن طريق الزعم بأن تمويل الضريح يتم على حساب إعمار منازلهم. يعلم الجميع، ومنهم معدّو التقرير، أن الحزب دفع بدلات إيواء للمتضررين، كما دفع بدل ترميم المنازل المتضررة، ويعمل الآن على ترميم الأقسام المشتركة في الأبنية المتعددة الطوابق والمُلكيات. كما يلقي التقرير مزاعم لا سند لها بأن المنازل في المنطقة المجاورة لمكان الضريح ولمكان استشهاد السيد تمت مصادرتها وتهجير سكانها "بدون أن يُدفع لهم دولار واحد كتعويض".

كذلك، يحاول القائمون على الحملة إثارة شكوك للمرة الألف لدى المساهمين في "القرض الحسن" عن طريق الادعاء بأن ضريح السيد الشهيد يُبنى من أموالهم، وهذا ادعاء رخيص لا يقوم على دليل، ويهدف لدفع المساهمين لسحب أموالهم من الجمعية تمهيداً لتصفيتها. ويصل التقرير إلى مخاطبة بيئة المقاومة بالقول، إن منازلهم دمرتها "حرب الدعم العبثي"، وهذا بيت القصيد في الموضوع حيث تشكل المقاومة هدفاً مركزياً لمعدّي التقرير بسبب موقفها المبدئي من فلسطين ومواجهة أطماع العدو. ويتقاطع ذلك مع الحملة التي تقودها "القوات اللبنانية" وأجهزة إعلام عربية تبرر للعدو جرائمه الكبرى بحق البشر والحجر وتلقي بالمسؤولية على الضحية التي تقاوم.   

ثانيها: توسيع الشقاق بين طوائف لبنانية أخرى، اعتماداً على عناصر التخويف والتنفير والشيطنة، وحمل السُنة والمسيحيين على الانضمام الى حملة الاعتراض على حزب الله بوصفه فاعلاً رئيسياً على صعيد المقاومة، بهدف تحقيق هدف نزع السلاح وإخضاع المقاومة لمصلحة العدو. وقد أفصح عن الهدف النهائي أحد "القواتيين" المعروفين (إبراهيم الصقر) بقوله: "السلاح مقابل زيارة الضريح"، في معادلة غريبة عجيبة!    

ويشير هذا النوع من الأنشطة الدعائية إلى تصاعد في الهجوم على المقاومة، وهذه الحملة تستكمل سياسياً وإعلامياً ما بدأه وما يواصله العدو من عدوان عسكري على لبنان وعلى مقاومته. ويسعى هؤلاء إلى دفع بيئة المقاومة للقيام برد فعل غير محسوب من شأنه أن يضعف الترابط بين الجمهور وقيادة المقاومة ويسيء إلى هذه المسيرة. وتتطلب مواجهة مثل هذه الأنشطة التي تعمل على زعزعة الوعي والإدراك في هذه المرحلة المصيرية، التحلي بالحس النقدي وفضح الوسائل والأساليب التي تلجأ إليها الجهات المعادية ومقاطعة وسائل الإعلام التي تروج لخطاب الكراهية والشقاق، وصولاً إلى تبني خطاب هجومي مدروس على هذه الجهات. 

التضليل الإعلاميالسيد حسن نصر االلهوسائل الإعلامسيد شهداء الأمة

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف