نقاط على الحروف
"الميليشياوية" في الدبلوماسية المتحرّشة.. يوسف رجّي مثالًا
على الرغم من عمله طويلًا في السلك الدبلوماسي، لم يتسنَّ لوزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي الاطلاع على الكثير من الأصول والبروتوكولات والأدوار والمهام التي يتعيّن على من يتولّى منصب وزارة الخارجية معرفتها بتفاصيلها وحيثياتها. إذ إنّ الرجل تورّط في سلسلة سقطات جعلته يبدو تائهًا في حقيقة دوره، ويبدو وكأن التبس عليه هذا الدور؛ فيتصرّف واقعًا كأنّه مسؤول عن الملفات الخارجية في حزب "القوات اللبنانية" وليس بصفته وزيرًا للخارجية لدولة "ذات سيادة"؛ وفقًا التعبير الذي من شدّة ما استهلكه الخاضعون بانبطاح ذليل للأوامر الأمريكية بات فارغًا وممجوجًا.
في الحديث عن التورّط، كانت واقعة اتهامه بالتحرّش مؤخرًا، والتي حاول القفز عنها وتجاهل هذه الفضيحة تستدعي الخزي والخجل. وإن ظنّ المرء أنّ تورّطًا كهذا هو أسوأ ما قد يرتكبه دبلوماسيّ يمثّل بلاده حيثما حلّ، فالوزير المصون أثبت مقدرة عالية في التورّط، في كلّ يوم، بعمل يضاهي أو يفوق تلك "الفضيحة" خزيًا وعارًا.
أعتقد أنه ربما لم يتسنّ للبنانيين التعرّف إلى شخصية الوزير رجّي، بشكل سلس وطبيعي بعد، وإن عرّفهم بنفسه بقوله "أنا تيس وما برد عحدا" في غارة استعراضية ركيكة قام بها في مبنى وزارة الخارجية. ولمّا لم يشعر أنّهم صدّقوا وصفه لنفسه بهذا الشكل، حاول- وما يزال يحاول- إثبات قوله هذا بالكثير من الأفعال المستهجنة وحتى المعيبة، طبعًا بعدما أضاف إلى تلك السابقة بعضًا من مكوّنات سيرته الذاتية في صفوف "القوات"، إذ تباهى بحمله السلاح وبقتاله اللبنانيين خلال الحرب الأهلية. ولم يزل البحث جاريًا حتى الساعة عمّا يدعو للفخر في سيرته الحربية في صفوف "القوّات".
بكلّ الأحوال؛ قدّم الوزير رجّي نفسه بهذا الشكل إلى الجمهور قبل أن تبدأ مآثره في الخارجية تشير من جهة إلى عدم أهليّته لتولّي، لا وزارة الخارجية اللبنانية فقط، بل أي عمل عام. ومن جهة أخرى؛ إلى انسحاقه التام والفاضح في حضرة الأميركي، حيث يطيح بكل أصول وقواعد العمل الدبلوماسي كُرمى لعيون أصغر موظّف في عوكر.. فرضا "أورتاغوس" في هذه المرحلة هو من أساسيات العمل "القواتي"، ولا بأس أن ترسل له من يستدعيه إلى حضرتها في عوكر فيلبّي الأمر صاغرًا، متجاهلًا تمامًا أنّه، هنا، لا يمثّل معلّمه و"حكيمه" وإنّما "الدولة" بوصفه وزير خارجيّتها، متناسيًا أنّ الأصول والقواعد توجب أن يلتقي بأيّ موفد أجنبيّ في مكتبه في الوزارة. لا بأس أيضًا. لنقل أنّه كان لم يزل بعد تحت وقع الابتهاج بتعيينه فنسي الأصول وأطاح بالقواعد الدستورية، مصادرًا صلاحيات رئيس الجمهورية الذي خصًه الدستور برسم وتمثيل سياسة لبنان الخارجية وبصلاحية اعتماد السفراء وقبول اعتمادهم وفقًا لبروتوكولات محددة، إلّا أنّ مساره كلّه يدلّ على أنّ هذا النّوع من الخضوع والانسحاق لكلّ رغبة أميركية هو نمطه في العمل، والذي نأمل أن ينتهي قريبًا عبر استبداله بشخصية أخرى تليق بدور وزير خارجية.
إليكم نبذة عن هذا المسار الحافل بالارتكابات التي تستدعي ألف استفهام وألف تعجّب:
تعتدي "إسرائيل" على لبنان يوميًّا؛ تنفّذ عمليات اغتيال وتدمير وجرف أراض وتحتلّ مواقع لبنانية. يقرّ العالم أجمع أن لبنان نفّذ كلّ ما عليه من القرار 1701 وأن "إسرائيل" لم تفعل. إلّا أنّ كلّ هذا لم يدفع بالوزير "القوتجيّ إلى إصدار موقف واحد يستنكر هذه الاعتداءات ولو "على عيون الناس". علمًا أنّه من واجب وزارة الخارجية في بلد يتعرّض للعدوان أن تقوم بكلّ الممكن في المحافل الدولية للضغط على الجهة المعتدية ودفعها إلى الالتزام بالقرارات الدولية. يتنكّر الوزير لهذا الواجب الوظيفيّ، والذي يتاقضى عليه راتبًا من خزينة الدولة، ويتفرّغ لأمور تحدّها وتحدّدها سياسات حزبه ومعلّمه، متجاوزًا بذلك الحكومة اللبنانية ورئيسها وكذلك رئاسة الجمهورية، فالرجل يبدو مبرمجًا حصرًا على تنفيذ أوامر جعجع؛ بشكل لا يستمع ولا يتجاوب مع رؤسائه الرسميين بصفته وزيرًا للخارجية في هذا البلد.
على سبيل التذكير، لم يحرّك رجّي ساكنًا حين حضرت "موفدة أجنبية" تُدعى أورتاغوس إلى لبنان لتشكر "إسرائيل على هزيمة حزب الله"، ولتعبّر عن "رفضها لأي مشاركة لحزب الله في الحكومة". ولم يتحرّك فيه الحسّ الوطنيّ الأخلاقيّ حين نشرت صورة لها مع ضابط في الجيش اللبناني مع "سلاح" صودر من المقاومة، إذ لم يجد في الأمر تدخّلًا معاديًا في شأن لبناتي. وكذلك لم يشعر أنّ من واجباته أن ينبس، ولو ببنت شفة، حين خاطبت هذه الموفدة زعيمًا لبنانيًا وازنًا مثل وليد جنبلاط بأسلوب سوقيّ وقح، عبر تغريدة لها على موقع "اكس".
هذه الإهانات المتتالية والصادرة علنيًّا عن أورتاغوس ومَن تمثّل، لم تكن كافية كي يتجرّأ رجّي على القيام بواجبه واستدعاء سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في بيروت ليزا جونسون أو أيّ دبلوماسيّ أميركيّ عامل في السفارة للتعبير عن الاستياء من هذه التصرفات غير اللائقة بالمعيار الدبلوماسي أقلّه. هل لم يكن الوزير على علم بهذه الصلاحية؛ ولذلك لم يقم بما عليه بهذا الصدد؟ قد يحاول المرء افتراض هذا المستحيل على سبيل الذهاب في حسن الظنّ إلى أقصاه، إلّا أنّ الوزير نفسه يصرّ على إلغاء كلّ فرضية تؤدي إلى حسن الظنّ به وباتزانه وبفهمه لطبيعة دوره: فقد قام بالأمس باستدعاء السفير الإيراني في بيروت السيد مجتبى أماني على خلفية تغريدة له كُتبت باللغة العربية، ولم يأتِ فيها السفير على ذكر لبنان أصلًا. هل يعاني رجّي مشكلة في فهم اللغة العربية مثلًا؛ فيعجز عن إدراك معنى تغريدة تتضمن كلامًا عامًا؟ أم أنّه يحاول إثبات أهليّته لتمثيل جعجع وليتباهى ويستعرض أمامه باستدعاء السفير الإيراني وباستهداف العلاقات اللبنانية-الإيرانية بشكل مباشر وعدوانيّ، متمثّلًا بأداء ميليشيا "القوات اللبنانية" التي خطفت وأخفت الدبلوماسيين الايرانيين الاربعة؟ حسنًا، إن كانت محاولة رجّي هذه هي إثبات الطاعة لزعيمه وللموفدة الآنفة الذكر، فقد تجاوزت حدّ الميليشياوية التي امتهنها، باعترافه، وحدّ الدبلوماسية التي يتستّر بها، لتبلغ "إسرائيل" ويعود الصدى على شكل تغريدة أيضًا من حساب "إسرائيل بالعربية" تعبّر عن الرضا على ما يقوم به ضدّ السفير الإيراني.
باختصار؛ لقد تغافلت وزارة الخارجية اللبنانية، في عهد رجّي، عن كلّ الإرتكابات والاعتداءات التي تمسّ بالبلد وسيادته.. وعن كلّ الانتهاكات والجرائم التي تطال الأمة والأرض.. وعن كلّ الإساءات اللفظية التي تعرّض لها اللبنانيون بلكنة أميركية فوقية وصلت الى حد الاستخفاف بالسؤال :"ماذا تقصد بلبنان؟"..، ثمّ نهضت من سباتها السياديّ لتحرّف كلامًا عامًا صدر باللغة العربية عن السفير الإيراني لم يشر فيه الى لبنان بأي شكل من الأشكال - والدليل حديثه عن دول وليس تنظيمات مقاومة، وإاشارته الى العراق وليبيا وسوريا حصرًا - لتنتفض على أساس وهمها بمسٍّ بالشأن الداخلي..
هكذا بدا مشهد "الخارجية اللبنانية" حين دخلها وزير يحاول ممارسة ميليشياوته بثياب الدبلوماسية.. هكذا يبدو المشهد حين يرسمه "الأميركي" وينفذه "قوّتجيّ" عتيق! قل هكذا سيبدو كلّ مشهد يؤديه ميليشياويّ امتهن الدبلوماسية ليوصمها بواقعة تحرّش، وبخزي الانبطاح لموفدة، وبتصفيق "إسرائيلي"!.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/04/2025
هل تصلح مقولة "سويسرا الشرق" للبنان؟
26/04/2025
السفارة الإيرانية تُحبط مخطّط رجي
24/04/2025
الاستسلام للمهزوم
التغطية الإخبارية
لبنان| إندلاع حريق في أحراج عكار العتيقة
إعلام العدو: موجة الحرائق مستمرة حتى الآن وشبهات بأنها مفتعلة
لبنان| الشيخ العيلاني يواصل جولته على المرجعيات لبحث شؤون صيدا والاستحقاق البلدي
عدنان منصور لـ"الأقصى": ما يجري في غزّة إبادة جماعية وصمت عربي غير مقبول
حماس تدعو إلى حراك عالمي لنصرة غزّة في يوم العمّال العالمي
مقالات مرتبطة

الاعتداء على الضاحية.. بيان إدانة بنكهة "رفع عتب"

السفارة الإيرانية تُحبط مخطّط رجي

سفير الجمهورية الإيرانية في لبنان: للحيلولة دون تمكين الأعداء من إيقاع الفرقة بين إيران ولبنان

منصور لـ"العهد": السفير الإيراني تكلّم بالعموم وبالمطلق ولا مبرّر لاستدعائه
