مقالات

لا يُعدّ المشهد في الضفّة الغربية مستغربًا لناحية الدمار الهائل ومستوى الخراب في عدد من المناطق والمخيمات الفلسطينية، والسعي لتسوية أحياء سكنية كاملة أرضًا، في مشهد يتطابق مع قطاع غزّة وحالها في ظل استمرار الإبادة الجماعية.
وفي مراجعة سريعة للتصريحات "الإسرائيلية" الصادرة عن الوزراء المتطرّفين في حكومة بنيامين نتنياهو ندرك جيدًا أن مخطّط التدمير والتهجير في قطاع غزّة وتغيير معالم المدينة والمحافظات بشكل كامل يمتدّ ليطال أحياء ومدنًا في الضفّة الغربية المحتلة. فمنذ أشهر صرح وزير "الأمن" المتطرّف إيتمار بن غفير بأنّ "الساعين لإنهاء الحرب في قطاع غزّة سيحصلون على حرب في الضفّة الغربية"، سبقه تصريح لوزير المالية المتطرّف تسلئيل سموتريتش يقول فيه "يجب أن تصبح قرى فندق ونابلس وجنين كما تبدو جباليا حاليًا".
يرصد المراقبون في هذا الإطار سعيًا "إسرائيليًا" واضحًا لاستكمال مشهد التهجير في قطاع غزّة ليطال الضفّة الغربية لا سيما المخيمات الفلسطينية من جنين إلى نور شمس وطولكرم، حيث جرى إفراغ هذه المخيمات من سكانها بشكل كامل وبرز مشهد النزوح إلى مناطق وسط المدن بالإضافة إلى عمليات نسف المنازل والأحياء وشقّ الطرق داخل المخيمات لإنهاء أي حالة مقاومة بداخلها.
وقبيل إفراغ المخيمات وبدء موجة النزوح، كان الحديث بحسب المراقبين يدور عن عملية حصار وتجويع يمارسها العدوّ "الإسرائيلي" على أبناء المخيم، ما يعيدنا إلى المشهد اليومي في قطاع غزّة الذي يتعمد فيه الاحتلال تجويع السكان وتعطيشهم ومنع إدخال المساعدات والطواقم الطبية لإنقاذ حياتهم. ويترافق مع هذا المشهد في الضفّة، تطبيق للقرارات "الإسرائيلية" والمقترحات التي خرج بها بعض الوزراء المتطرّفين على رأسهم بن غفير في ما يتعلق بتركيب البوابات الحديدية والحواجز التي تمنع الفلسطينيين من التنقّل بشكل مريح، والتفتيش الدائم في هويات العابرين من منطقة إلى أخرى وأحيانًا ضمن الأحياء نفسها. ويُرصد في هذا الإطار أكثر من ألف حاجز وبوابة حديدية وضعها العدوّ "الإسرائيلي" ويتحكم من خلالها بحركة الدخول والخروج من مكان إلى آخر.
ولا ينفكّ الاحتلال عن ممارسة سياسة الاستيطان، ويمكن رصد نشاط استيطاني واسع وخطير في عدد من المناطق بالإضافة إلى تشريع قيام بناء مستوطنات جديدة ومحاولة عملية ضم وتوسيع ما يسمى بمشروع القدس الكبرى، ومصادرة عشرات الآلاف من الدونمات في بعض المدن والقرى، وتهديد مناطق بأكملها بالهدم داخل الضفّة الغربية المحتلة.
في المقابل، يسجّل للشعب الفلسطيني إصراره على المواجهة والمقاومة وعدم الاستسلام أمام ما يقوم به الكيان "الإسرائيلي" على مختلف المستويات. وبعد تقارير نشرها الاحتلال أوحت بتراجع عمليات المقاومة، برزت أكثر من عملية في الضفّة خلال الأيام الماضية في رسالة واضحة للعدو تؤكد استمرار المقاومة بالرغم من كلّ التضييق وارتفاع مستوى التحديات. كما يسجّل للفلسطينيين إصرارهم على إحباط مشاريع العدوّ لا سيما على مستوى التهجير، فيبرز بشكل واضح عدم قبول سكان المخيمات بالنزوح خارج المناطق التابعة للمخيم، وإصرارهم على البقاء ضمن الأطراف بما يشكّل حاجزًا مانعًا في إلغائهم أو تهجيرهم إلى مناطق بعيدة أو خارج فلسطين المحتلة. لا شكّ أن مستوى التحدّي أمام الشعب الفلسطيني على مختلف المدن والمحافظات يرتفع يومًا بعد يوم، وحجم الاعتداءات والاعتقالات والتدمير تجاوز بأضعاف ما كان عليه الوضع قبل السابع من أكتوبر، أي ما سبق عملية طوفان الأقصى التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في غزّة، لكن الأكيد وبحسب ما يعلق عدد كبير من الفلسطينيين أنّ الشعب الفلسطيني الذي جرّب كلّ الخيارات يدرك أكثر من أي وقت مضى أن لا خيار مع هذا الاحتلال سوى المقاومة والمواجهة في سبيل تحرير الأرض كاملةً.